ضد الواقعية.. وضد الشكلية
أن يولد بينما فنان.. فذلك حدث عظيم لا يحدث كل يوم.. وقد عبر فيلم "المومياء" عن مولد فنان سينمائي هو شادي عبد السلام.
واليوم يعرض "المومياء" في نادي السينما بالقاهرة، وفي حين لا أعتقد أن واجب الناقد تناول عمل ما بالنقد والتحليل قبل أن يعرض في دور العرض العامة، أعتقد أن من حق القارئ التعرف على صاحب فيلم "المومياء" أو فيلم "يوم أن تحصى السنون".. مع العلم بأن المومياء.. أول فيلم عربي يعرضه نادي السينما منذ إنشائه.
ولد شادي عبد السلام في الإسكندرية عام 1930 ونشأ وسط عائلة مثقفة من الطبقة الوسطى، ودرس في كلية فيكتوريا حيث درس يوسف شاهين وتوفيق صالح، ثم درس شادي الفنون في كلية الفنون وتخرج عام 1949، وفي القاهرة واصل دراسته في كلية الفنون الجميلة وتخرج من قسم العمارة عام 1955 حاملا درجة الامتياز.
وقبل أن يبدأ شادي عبد السلام تصوير أول أفلامه (المومياء) عاش ما يقرب من عشر سنوات موزعا بين الرسم وبين السينما، كان يرسم ولكنه كان يفكر في السينما كثيرا، أو على حد قوله: "كانت اللوحة تبدو أمامي ناقصة، كانت تريد أن تتحرك، ولم تكن الصور تتحرك إلا في السينما".
ولم يلبث أن عمل في السينما، مساعدا لصلاح أبوسيف وبركات وحلمي حليم، ثم مصمما للمناظر والملابس لأكثر من عشرة أفلام روائية وعشرة أفلام قصيرة، لعل أهمها كما يقول الفيلم المصري "وإسلاماه" والفيلم الأمريكي "كليوباترة" والفيلم البولندي "فرعون".
قلت لشادي عبد السلام:
• ما هي حكاية روسيلليني في القاهرة، وما هي حكايته مع المومياء؟
- حقا.. لقد أصبحت حكاية، ولكنها حكاية بسيطة جداً، جاء روسيلليني إلى القاهرة لإخراج الجزء الخاص بالحضارة الفرعونية من مسلسلة تليفزيونية يخرجها وقد توقف تصوير هذا الجزء بسبب عدوان 1967 وفي مارس 1968 بدأت تصوير "المومياء" وفي أثناء التصوير عهد إلي روسيلليني باستكمال ذلك الجزء ففعلت.
• وما هي علاقة روسيلليني بالمومياء؟
- عرفني روسيلليني من خلال عملي في فيلم "فرعون" وعندما جاء إلى القاهرة قرأ سيناريو "المومياء" وأعجب به، وقد أنتج الفيلم تحت رعايته الروحية، ولن أنسى أبدا مساعدته، وخاصة في روما.
• ومتى انتهى تصوير المومياء؟
- في يوليو 1968.
• 20 أسبوعا أذن؟
- بل 14 فقط توقفنا 6 أسابيع من مارس إلى يوليه.
• أنت متهم بالإسراف لأنك قمت بكل العمليات المعملية من طبع وتحميض وغير في ذلك روما.
- هذا اتهام باطل ومغرض وأتحدى من يثبته، أولا لأن 99% من أفلامنا الملونة كانت تحمض في الخارج ولا تزال وثانيا لأن ميزانية الفيلم لا تزيد عن ميزانية الغالبية من أفلام المؤسسة. إن الذين يقولون ذلك يريدون هدم الفيلم قبل أن يولد حتى يستمر الفيلم المصري القديم وحده، حقاً قد لا يكون "المومياء" هو الفيلم المصري الجديد كما يتصوره البعض، ولكنه الفيلم المصري الجديد كما أتصوره أنا.
إن المال السائل الذي صرف على (المومياء) شاملاً أجري وكل أجور العاملين فيه لا يتجاوز عشرة آلاف جنيه وهو أجر نادية لطفي وحدها عن فيلمين، وبمناسبة نادية لطفي أحب أن أذكر أنها مثلت في فيلمي دون مقابل إعجابا منها بالدور.. إنها ضيفة شرف.
• ما الذي يدفعك إلى إخراج الأفلام؟
- أريد أن أعبر عن نفسي، وأريد أن أعبر عن مصر، إنني أسعي إلى شكل سينمائي مصري بالعودة إلى أصول الفنون التشكيلية الفرعونية.. وقد أردت من خلال قصة اكتشاف أحمد كمال عام 1881 وهو من أخطر الاكتشافات الأثرية على الإطلاق، أن أعبر عن شخصية المصري المعاصر الذي يستعيد أصوله التاريخية وينهض من جديد، ولذلك كتبت على المشهد الأخير من الفيلم هذه الكلمات من كتاب الموتى الفرعوني المعروف.
"انهض فلن تفنى.
لقد نوديت باسمك
لقد بعثت".
• من الواضح أنك تقف على تراث من الفن التشكيلي فهل استطعت أن توفق بين ثبات اللوحة وحركة اللقطة السينمائية؟
- أعتقد ذلك لأنني كما قلت من قبل كنت أشعر بشيء ما ينقض اللوحة وجدته في السينما.
• هل المرحلة الأساسية عندك مرحلة السيناريو أم مرحلة التصوير أم مرحلة المونتاج؟
- إنني لا أكتب السيناريو، وإنما أكتب الفيلم كما سيعرض على الشاشة ولذلك تتساوي عندي هذه المراحل في أهميتها.
• أنت أذن تؤمن بالنظرية القائلة بأن للسينما فنانا واحدا يعبر الفيلم عن رؤيته هو فنان السينما.
- نعم .. لقد انتهى عصر المخرجين كما قال جان راينوار يوما ما.
• شادي عبد السلام.. أنت متهم بالشكلية؟
- لا.. أنا لست شكليا، وأعتقد أن هذا الاتهام يقوم على أساس النظر إلى الفيلم باعتباره فيلما واقعيا بينما أنا ضد الواقعية، واللاواقعية لا تعني الشكلية بالضرورة، وإن لكل شيء في العالم معناه، وإذا أعجب شخص ما بالشكل في فيلمي فهذا لا يعني أنه فيلم بلا معني!.
الجمهورية
16/12/1969